2Top Ad unit 728 × 90

فقط نحن فى حاجـــة إلى مسمار !







كانت الرياح تعوى فى جنبات المدرسة ... وهو يصعد السلم المتواضع الذى أفنى عليه الدهر . عينه على قدميه ، وشعره
يتلاعب به الهواء ، وعقله شارد فى أشياء مبعثرة منها هذا الفصل الراقد فى نهاية هذه الردهة .
أسرع الخطى كعادته ... فى كل مرة يقرأ لافتات الفصول 1/ 6 ، 1 / 5 ، 1 / 4 ، 1 / 3 ، 1 / 2 إلى أن
انتهى به المسير إلى المحطة الأخيرة 1 / 1 وقد تطاير منه شعره وشعوره .
ذرات التراب تعلو عندما تثيرها الرياح وتحيط به حتى ليصبح هو مركز هذه الدائرة الغبارية .
اندلف من الباب ، وحاول أن يستجمع شتات جسمه ونفسه . قال كعادته : السلام عليكن ... ردت التلميذات بحماس كعادتهن هذه التحية . أمسك بقطعة الطباشير ، واتجه إلى السبورة وبدأ يكتب عنوان الدرس : ( لوعة وأسى ) .. وياللوعته حينئذ !!
صرخت الفتيات فجأة .. وقبل أن يستدير سمع طلقا ناريا ، سقطت قطعة الطباشير من يده .. جحظت عيناه
علت دقات قلبه .. استند على الحائط .. صمت قليلا ، ثم أخذت الابتسامة طريقها إلى شفتيه .. تمتم قائلا : الحمد لله .
قامت إحداهن وأسندت الشباك المخلوع خلف الباب المصروع الذى دفعته الريح بقسوة المنتقم . ضحكن وضحك .
اتجه إلى السبورة ثانية .. أكمل العنوان ، واسم الشاعرة ، التفت إليهن ، فإذا بالغبار يدخل مكتسحا رغم أنف الباب
الذى لا يجد سبيلا إلا أن ينفتح له على مصراعيه . يغطى الغبار وجوههن فيحجبهن عنه ويحجبه عنهن .. يبتسم
ويندهش .. ينظر إلى النافذة المفتوحة على مصراعيها المرسومة على الحائط المهمل .. ينظر ثانية إلى السحب الداكنة الهاربة من الرياح الثائرة المنتشرة فى كبد السماء .
يهدأ قليلا فقليلا .. يعود إلى سبورته ، ثم ينقلب إليهن ، وتبدأ المناقشة . تصرخ الخنســــــاء بعد دقائق :
( فيالهفى عليه ولهف أمى .. ) .. يشاطرها الباب صرختها .. ينخلع مع الباب قلوبهن جميعا .. يسقط الشباك ..
ويرتطـم الباب بالجدار ، ويصرخ الجميع ، ثم يضحك الجميع ، وتسكت الخنســـــــــاء ، ولا عزاء !
يتجه إلى الباب .. يفكر قليلا .. يلتفت إليهن مبتسما ويقول :
ليست مشكلة .. فقط نحن فى حاجة إلى مسمار . يضحكن .. وترد إحداهن : ومن التى تأ تى بالمسمار ؟
يرد مبتسما : أظنها مشكلة !! ويمر اليوم .
وفى صباح اليوم التالى يدخل الفصل ، فإذا بالمسمار ، وإذا بزجاج جديد للشباك ، وإذا بالرياح وقد غادرت المكان .
يفكر ، ويتأمل ، وتهمس نفسه لنفسه ثم لهن : وكأن الرياح كانت تنذرنا وتذكرنا .

فنـحن رغـم عقــولنا الكــبيرة ، تفوتنـــــا أشــيــــاء نظنهــــا صـــــغيرة !!


ديسمبر 1987 .. مدرسة برمبال القديمة الثانوية .. الملحق القديم .
وقد وقعت هذه الأحداث بالفعل فى فصل 1 /2 وقتها وكنت أنا مدرس هذه الحصة التى دارت فيها هذه الأحداث .

فقط نحن فى حاجـــة إلى مسمار ! Reviewed by Unknown on 4:54:00 م Rating: 5

ليست هناك تعليقات :

Boxed Style

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.